Home 2009
Home حدث سينمائي عالمي في " موعد مع الأرض"
يحتفل العالم في الخامس من يونيو من كل سنة باليوم العالمي للبيئة حيث يكون مناسبة لتجديد الحديث عن الأزمات البيئية التي تعرفها الأرض ومحاولة نشر التوعية بين الناس تخص محيطنا.
وكان الاحتفاء هذه السنة احتفالا كونيا بحدث سينمائي متميز اشتركت فيه الإنسانية في أكثر من 134 بلدا متمثلا في عرض فيلم " Home " للمخرج الفرنسي يان أرثور بيرتران Yann Arthurs-Bertrand . وقد عرضت الجزيرة الوثائقية هذا الفيلم بمناسبة اليوم العالمي للبيئة.
تطلب فيلم " Home " ثلاث سنوات من العمل حيث صور المخرج/المصور 500 ساعة ليحتفظ في النهاية بساعة ونصف للسينما وساعتين للأقراص والأنتيرنيت.
يبدأ الفيلم برسم الأرض رسما جميلا بفضل الضوء فتبدو في أبهى صورة حين تكتمل ملامحها. تظهر لنا بعد ذلك تلفها الغيوم التي تحيط بها إلا وسط إفريقيا المضيئة بالشمس ليبدأ في الحديث عنها – أي عن الأرض – بطرحه سؤالا واضحا علينا – نحن المشاهدين – بالصوت فقط أو ما يسمى في لغة السينما voix-off إذ يتوجه إلينا: " إسمعوا لي الآن ماذا سأحكي لكم عن هذه الأرض ثم قرروا بعد ذلك ما تريدون فعله بها".
يبدأ في حكي قصة الأرض ويتغزل بجمالها ويعرض علينا صور بمثابة لوحات تشكيلية التي ترسمها الطبيعة من ذاتها وفي ذاتها في ما بينها بتكامل منطقي فتعطي تعددا في تضاريس أشكالها وألوانها، تتوزع بين " الجامدة " (تجاوزا) و" المتحركة " بفعل حركة الماء والريح والتراب والضوء والهواء في فضاء لا متناهي يسافر بمحتوياته نحو آفاق تؤسس لولادة جديدة متجددة إلى ما لا نهاية.
نجح المخرج/المصور من التقاط تلك اللحظات الاستثنائية في الطبيعة وكأنه يرسمها فوق الشاشة بكاميراته فيُمتع عيوننا بجمال الأرض حين تشاهدها من السماء أو Plongée بلغة السينما.
لن ننزل إلى الأرض مع هذا الفيلم بل سنسافر معه طيلة ساعة ونصف. نمسحها من القطب الشمالي إلى جنوبه مرورا بإفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا. سنحيط بأرضنا من كل صوب، وكل لقطة قد نعتبرها الأجمل لنفاجأ بأجمل منها.
لا يُعرفنا بجمال سطح الأرض فقط بل أيضا بخباياها المدفونة من معادن وطاقة وحياة علما أننا دائما في السماء نحلق فوقها. كم هو جميل أن تتعلم أشياء من زوايا مختلفة فتزيل عن عيونك – وبالتالي عقلك – مسلمات جامدة تقولبك في إطار مغلق جامد.
وما زاد من جمالية الفيلم نص التعليق الذي كُتب بعناية فائقة، لم يكن تعليقا إضافيا أو يفسر لنا ما هو مرئي أمامنا لتحصيل ما هو حاصل بل النص كان علميا ومفيدا ومقروء بصوت تتسرب نبراته إلى وجداننا فيساعدك على ولوج عالم أرضنا ومحيطنا. فلا يمكنك إلا أن تتعاطف مع النص العلمي (أتحدث عن النسخة الفرنسية التي شاهدتها فلا أدري كيف هي النسخ الناطقة بلغات أخرى). نص غير أكاديمي وإنما تربوي هادف، ولا يحمل نبرة استعلائية فتخلق حاجزا بيننا كما هو معمول به في كثير من هذه النوعية من الأفلام.
يحكي عن علاقة مكونات الطبيعة ببعضها والارتباط الشديد في ما بينها وأن كل مُكون منها لا يمكنه أن يحيى بدون مُكون أو المُكونات الأخرى أو يستغني عنها، كل عنصر يبحث عن العناصر التي ستعطيه الحياة وتطوره بل لتدميره تدميرا إيجابيا لخلق عناصر جديدة تحتاج لها الطبيعة وهكذا دواليك وهو ما يُصطلح عليه علميا بنفي النفي.
يقول لنا الفيلم بأنه لا يمكن عزل الماء عن الأرض والسماء والشمس والنار ولا عن الحجر والحيوانات والنباتات لنستنتج أن هذه الدورة الطبيعية للحياة التي تتكرر منذ ملايين السنين كشكل الأرض نفسها الدائرية.
بعد هذه الحكاية الجميلة لمكونات الأرض وتشكلها وكيف عاش فيها الإنسان البدائي ثم الحضارات المتتالية في تناغم كبير، يصدمنا صاحب الفيلم بإخراجنا من هذه " الجنة " التي أمتعت عيوننا وعقولنا لوضعنا أمام أمر الواقع الحالي وكأننا كنا في حلم ليطالبنا بتحمل مسؤوليتنا الإنسانية للحفاظ على محيط هذا الإنسان: الأرض.
وبذلك ينتهي الجزء الأول من الفيلم ليدخلنا إلى الجزء الثاني منه حيث نشاهد نفس الأرض وقد تجردت من " لباسها الطبيعي الأنيق " لنعاين من خلال كاميراته ما تعرضت له من نزيف وتخريب بسبب استغلال عشوائي وفوضوي لسطح الأرض وعمقها في زمن قياسي ليس أكثر من عقدين.
لقد تم تفريغ الأرض من محتوياتها ليتكسر إيقاعها الذي عرف خللا في دورته الطبيعية ومن ثمة إنتاج إفرازات وظواهر تؤثر سلبا في نهاية المطاف على الإنسان نفسه الذي هو السبب الرئيسي في جرائمه ضد ذاته وبالتالي ضد الإنسانية.
تحمل الأرض فوقها ملياران من السكان، أزيد من نصف سكانها فقراء يعيشون في أقطار غنية بالثروات التي لا يستفيدون منها ليربط الفيلم الوضع البيئي بالوضع الاجتماعي أيضا وما يعرفه العالم من غياب التوازن منعرجا نحو مشاكل الشغل والهجرة من البادية نحو المدن في بداية الأمر ثم نحو الأقطار المتقدمة صناعيا خاصة حين أُنشئت ضيعات متعددة الجنسيات التي تعتمد على الفلاحة الصناعية مستغنية على الفلاح التقليدي.
نُذكر القراء بأننا ما زلنا – في الفيلم – نحلق فوق الأرض ونشاهدها من أعلى، من السماء، كأننا نراها بالمجهر الذي اتخذ في هذا العمل الفني شكل الكاميرا.
وفي الفيلم نشاهد الناس من ذات الموقع يشكلون جزء من محتويات الأرض فهم الذين يتفاعلون معها سلبيا وإيجابيا أو هما معا. وهم الذين يبنونها ويخربونها وغيروا مصيرها فحصل الخلل في التغذية والاستهلاك بسبب وتيرة التطور الصناعي الذي تضاعف بشكل مهول في العقدين الأخيرين. وهذا التطور الصناعي يطالب بالمزيد من الطاقة التي يبحث عنها الإنسان المعاصر بأي ثمن من أجل راحته ليستخلصها مثلا من الشجر كذلك وبذلك يخبرنا الفيلم أنه تم تحطيم 13 مليون هكتار من الغابات في فترة وجيزة بمعدل 40 % من الغابات التي تم اقتلاعها من مجموع المساحة الغابوية فوق الأرض ليسبب ذلك، إلى جانب الغازات التي تبثها المصانع المختلفة، لارتفاع إيقاع الحرارة بنسبة 15 % في السنين الأخيرة.
هذا التحول البيئي الذي أثر سلبا على المناخ وعلى الإنسان خلق ما يمكن نعته – حسب الفيلم – بلاجئي الطبيعة (وليس السياسي فقط) وقد يتجاوز عددهم 200 مليون بعد سنوات مقبلة حسب الفيلم دائما خاصة أن المدن في اتساع مطرد إذ عرض علينا بعض المدن التي لم تكن سوى قرى صغيرة قبل عشر سنوات لترتفع فيها ناطحات السحاب بشكل مذهل خاصة في آسيا والخليج العربي الذي تعمق في البناء داخل البحر وهذا يزيد في الطلب على الماء الصالح للشرب لذا يترقب أزمة عالمية خطيرة على الماء.
لقد تحملت الأرض الكثير ولم تعد ملك ذاتها الطبيعية كما أن الإنسان لم يعد جزء منها بل التطور الفكري لهذا الأخير هو الذي أهله لكي يتحكم فيها كما شاء فغير ملامحها، وهذا يظهر جليا بين جزأي الفيلم.
بعد الجزء الثاني هذا بسوداويته لواقع أرضنا، ينقلنا المخرج/المصور إلى الجزء الثالث والأخير من الفيلم ليحدثنا على المسؤولية المنوطة بنا متسائلا هل نقبل بالواقع وننتظر نهايتنا؟ هل من حقنا أن نقبل بتدمير ذاتنا ونستمر في هذا التدمير؟ هل لم يعد في مقدورنا فعل شيء لإيقاف هذا النزيف الذي تعرفه أمنا الأرض؟ سؤال تلو آخر لعله يقظ فينا عمقنا الإنساني ويحركنا للعمل من أجل إنقاذ الأرض قبل فوات الأوان.
يقول لنا Yann Arthurs-Bertrand بأنه لم يعد أمامنا متسع من الوقت، فنحن أمام اختيار واحد لا غيره وهو أن نذهب نحو بعضنا لنتعاون من أجل إنقاذ حياتنا ( الأرض ) في اتخاذ هذا القرار ولم يعد مسموحا لنا أن نتشاءم.
قال وكرر بأنه تأخرنا كثيرا على التشاؤم من واقعنا فلقد فات الأوان عليه (أي التشاؤم) وإنما ينبغي التحرك الآن وليس غد في اتجاه الفعل الملموس لأنه لم يبق لنا سوى عقد واحد لإنقاذ الأرض. لنأخذ مصيرنا بين أيدينا.
وبعد لحظة صمت قصيرة جدا لا تتجاوز ثوان معدودة. تعمدها المخرج حتى نفيق من الصدمة. توجه إلينا من جديد بسؤال يقول لنا فيه " ماذا ننتظر؟" بهذا السؤال أنهى فيلمه ليكتب بالبنط العريض على الشاشة السوداء بدون كلام أو موسيقى " لنكتب معا قصة حياتنا ".
بدأ المخرج فيلمه بالحديث إلينا وعاد ليحدثنا في نهايته لتكتمل دائرة الفيلم كدائرة الطبيعة والأرض لنكتشف أننا نحن المشاهدين – الذين يتوجه بالكلام إليهم – هم الأبطال الحقيقيين للفيلم وبالتالي ينبغي أن تكون " بطولتنا " في مستوى الرسالة التي يحملها لنا الفيلم خاصة وأن بناء الفيلم هو بناء مثلث يشمل على مقدمة وتحليل وخلاصة بمعنى آخر قصة وعقدة وخاتمة وهو شكل الهرم الذي يعتمد على القاعدة المركزية (الأساس) للواقع لتشييد بعدها عالم أفضل. فيلم Home علمي في جميع مكوناته السينمائية.
ومن مزايا هذا الفيلم تجاوزه للأفلام الوثائقية التقليدية المعتمدة على تصوير تصريحات ومداخلات العلماء والمتخصصين، بتقديمهم على الشاشة، يفسرون الظواهر بلغتهم المعقدة بالمفاهيم والمصطلحات العلمية معززة بالأرقام. عادة ما تتحول إلى أفلام أكاديمية ونخبوية. فصاحب الفيلم لم يلتجئ قط لهذه المدرسة بحيث لم نشاهد عالما يحدثنا مباشرة بل أناسا، من فوق غارقون في عملهم وشغلهم كجزء من الكون دون تحديد ملامحهم بدقة مؤثثا عالم الفيلم بأصوات موسيقية ونوطات يصعب تحديد هويتها وبذلك نزع أي جنسية محتملة للفيلم بقدر ما أكد لنا بأن لا جنسية للأرض، إنها ملك للجميع حيث كانت بعض الإشارات في تعليقه بأن ما تعاني منه جهة ما تؤثر بالضرورة على جهات أخرى من الأرض. ما يتعرض له القطب الشمالي - على سبيل المثال لا الحصر - يؤثر سلبا على المحيطات وبالتالي على باقي العناصر الأخرى في أرضنا وهو ما يمكن أن نلاحظه أيضا مثلا حول الجفاف في إفريقيا له انعكاسات سلبية على المناخ العام إلى آخره. وعليه فلا جنسية للأرض.
فيلم Home هو رسالة مستعجلة للإنسان بنفس مستوى الخطورة التي تعاني منها الأرض، فيطالبنا بتغيير سلوكنا تُجاهها وتُجاه نمط حياتنا المعتمدة أساسا على الاستهلاك كسلوك طاغ في كل المجتمعات بدون استثناء.
يعطينا الأمل في التغيير ويزرعه فينا بفيلمه. فهل استمعنا له؟ هل استوعبنا الدرس أم نسيه الجميع في صباح اليوم الموالي؟
فأمعن النظر .... وافعل شيئا....
منقول بتصرف يسير من موقع الجزيرة الوثائقية
روابط الفلم
النسخة الانجليزية
Home_2009_EXTENDED_PROPER_BDRip_XviD
2CD
الحجم الكلي 1.33 جيجا
الترجمة في هذا الموضوع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
رابط التورنت
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
أو
من أراد النسخة المدبلجة فيمكن تحميلها كاملة وبجودة ممتازة HD
برابط واحد من اليوتيوب
إذا أعطاك برنامج التحميل خيارات
فلا تحمل إلا النسخة التي حجمها 1.32 جيجا MP4